نعم .. أمقته كثيرا .. أمقته و أمقت غروره و تظاهره و مشيته المتعالية .. أمقت نظرته البلهاء المفتعلة التى يظنها بالغة الرومانسية .. أمقت تصفيفة شعره و ألوان قمصانه و أحباله الصوتية .. أمقت الساعة التى ولد فيها و الأرض التى سار عليها !
أمقته برغم كونه مصدر رزقى .. و برغم مصاحبتى له فى كل مكان تقريبا ..
انتشر كالكابوس خلال العامين الماضيين .. صار بوسعك أن تستمتع بطلعته البهية و حنجرته الشجية فى كل مكان و فى أى وقت .. افتح التلفاز و ستجد " كليبا " له .. استمع للراديو لتسطدم بأغانيه .. اقرأ أى مجلة لتجد موضوعا عنه أو حوارا معه .. انظر عبر نافذة غرفتك لترى" بوسترا " له .. ادخل الحمام و ستجده فى انتظارك بالتأكيد !
لا أعرف ماذا يملك هذا التافه كى يصبح اسمه جزءا من ثقافة و ذكريات شعب بأكمله .. لا يتمتع بصوت قوى يؤهله لكل هذه النجومية و الشهرة .. و لا يملك شخصية ساحرة تخلب الألباب .. و لا يقدم فنا مختلفا و مهما .. فى الغالب لم تعد هذه المؤهلات تجدى اليوم .. من الواضح أن مؤهلاته الخاصه تتلخص فى عضلات ذراعيه البارزة و شعر صدره الغزير و حركات جسده المائعة .. و للأمانة هو شديد البراعة فى هذه الأمور !
قرأت منذ ما يقارب العام الاعلان الذى نشره فى الجريدة عندما كنت جالسا على القهوة أحقق ذاتى فى لعب الطاولة و مشاهدة الفتيات بعد تخرجى من كلية التجارة .. كان يطلب فيه " بودى جارد " أو حارسا خاصا له يرافقه فى كل مكان بمرتب يسيل اللعاب .. لماذا ؟ .. بالطبع ليحميه من هجوم الفتيات الهائمات بجمال لون بشرته و العصابة الشريرة التى تنتمى لحزب أعداء النجاح المطالب برأسه !
ذهبت للعنوان المرفق و تقدمت للوظيفة .. و لم لا ؟ .. استوعبت منذ زمن حقيقة أن فكرة عملى كمحاسب كما تقول شهادة تخرجى تنتمى لروايات الخيال العلمى .. و لقد كنت أقضى أغلب وقتى بعد تخرجى فى ال " جيم " حتى أصبحت شديد الشبه بالغوريللا .. عادى جدا .. شاب خريج كلية تجارة يعمل غوريللا .. أأأأه .. بودى جارد عند مطرب شهير .. و بالفعل فزت بالوظيفة ..
دوما كنت أعتقد أننى سأصبح وزيرا أو أتولى منصبا قياديا .. نعم .. و لو لم أتول أنا المراكز المرموقة فمن يتول اذن ؟! .. من المستحيل أن يضيع كل ما اكتسبته هباء .. روايات نجيب محفوظ و كتب جمال حمدان .. عبقرية مصطفى محمود و تفرد أحمد خالد توفيق .. تمرد أمل دنقل و جنون محمد منير .. روعة محمد صبحى و دهشة محمد المخزنجى .. كل هذا الخليط داخل هذه الرأس .. اذن فلأعش مطمئنا .. لن يكون منصب رئيس الجمهورية هو أخر طموحاتى بالتأكيد !!
بالطبع اكتشفت أننى كنت أحمق .. فبعد كل ذلك أصبحت مجرد حائط بشرى لحماية هذا الكائن الذى أشك فى استطاعته كتابة اسمه بدون سبعة أخطاء املائية على الأقل !
كرهته لأننى أشعر دوما بأنه سلبنى حقى .. لم أحقق ذاتى فى أى شىء رغم أنى أملك الكثير لأقدمه .. بينما حقق هو ذاته فى كل شىء رغم أنه لا يملك أى شىء ليقدمه ..
حتى على المستوى العاطفى .. أنا الذى لم تحبنى فتاة طيلة حياتى بينما تنهال عليه الفتيات عناقا و تقبيلا فى الحفلات و المهرجانات ..
و لكنى و أخيرا .. وجدت شعاعا من الأمل وسط كل هذا الظلام .. وجدته و لن أتركه يضيع بسهولة .. فليصبح هو غايتي فى الحياة و لأثبت لنفسى من خلاله أنى لا زلت انسانا ..
أجمل من رأيت فى حياتى .. تلك المخلوقة الملائكية الهشة .. جائت هى وعائلتها مؤخرا ليسكنوا فى المنزل المجاور لى .. كم أن ابتسامتها دافئة ! .. كثيرا ما منحتنى تلك الابتسامة و هى تنظر الى فى خجل .. حتى بادرت و تحدثت معها .. صارحتها على الفور بحبى لها فأطرقت فى حياء و ابتسمت ..
سأكون أسعد كائنات الأرض لو أكملت بقية العمر بجوارها .. بالتأكيد هى تحبنى .. كل نظراتها و تعبيرات وجهها تؤكد ذلك .. رتبت لقاء معها اليوم سأخبرها فيه باستعدادى للقاء والدها ..
_ جواز ؟! .. بصراحة انا عرفت انك شغال بودى جارد عند < .... > و كنت عايزه اعرف اذا كان ممكن يعنى تخليني اقابله .. انا بجد بموت فيه .. أدفع عمرى كله واقابله .. رحتله كل حفلاته و برده معرفتش اكلمه .. أكيد معاك نمرة موبايله صح ؟ .. ايه مالك .. مش بترد ليه ؟!
******************
اليوم التالى .. خبر صغير فى مجلة غير شهيرة ..
( انتحار بودى جارد المطرب الشهير < .... > ولا تزال الدوافع مجهولة ) !!