الأحد، 14 سبتمبر 2008

التقدم نحو الخلف !!

لأنهم اعتادوا دوما أن يكونوا خلف المدفع .. فمن المؤكد أنهم لن يهضموا بسهولة فكرة أن تصوب عليهم القذائف ..

أتحدث هنا عن المدونين ..

اعتادوا دوما أن يهاجموا و ينقدوا .. يتأملوا و يحللوا .. دائما هم فى موقف الرقيب و فى وضع المتربص .. و لذلك فلم يحدث أبدا أن نالهم أى نقد موضوعى .. أقصد بالطبع النقد الهادف الى توجيههم للأفضل و تعرية عيوبهم أمامهم جيدا .. و ليس الموجه من أشخاص و جهات ترعى النظام الفاسد و الحكومة التى فاحت رائحتها حتى أصيب الجميع بالغثيان ..

ليس هناك أحد فوق النقد .. لا أحد فى التاريخ الانسانى كله غير قابل لتفنيد عيوبه و مواجهته بها برفق أحيانا _ اذا كان الرفق أفضل _ و بعنف و قسوة أحيانا أخرى _ اذا كانا هما الأجدى _ سوى الأنبياء و المرسلين الذين تكفل الله وحده سبحانه و تعالى بأن يعصمهم من الخطأ و الزلل ..

نعم .. هذه المقدمة الطويلة كانت لكونى أنتوى أن أنقد المدونين و أتأمل قليلا ببعض العمق فى عالمهم .. مقدمة هدفها فقط تهيئة عقول المدونين التى اعتادت فقط على النقد و الهجوم لأن تستقبل بعض النقد .. المدونين الذين أراهم متدفقى الكتابات _ ما شاء الله مبنقرش _ منفجرى النشاط دون أن يتوقف أى منهم لحظة ليسأل نفسه : ماذا أقدم بالظبط لمن يقرئوا ما أكتب ؟ .. ماذا أضيف لمجتمعى ( ان كنت أضيف أصلا ) ؟ هل أضيف قيمة لمن يقرأ أم أهدم _ و لو حتى بدون قصد _ مبدأ و أزرع أفكارا خاطئة ؟
اذا كنت راضيا عن الأوضاع فلماذا أنا راضى ؟ و ان كنت ساخطا على النظام و لا أكف عن الهجوم عليه فلماذا أيضا أنا ساخط ؟ و هل أنا ساخط حقا الى هذه الدرجة ؟!

أكاد أقسم أن النسبة الأكبر من المدونين لا تدرى أصلا لم تفعل ما تفعله .. ربما جزء ما لا يزال نقيا بداخله يخبره بأنه يخدع نفسه و يتمادى فى ايهامها .. و لكنه لا يستطيع أن يقاوم كل كيانه الذى يريد أن يقنعه بأنه يملك هدفا و مبدأ .. يرهب الضغط على نقاط ضعفه فى سبيل ايجاد علاج لها .. و يتمركز و يتمسك فقط بمميزاته التى يراها فى نفسه أو التى يريد رؤيتها ..

أعتقد أن النماذج الغير جيدة فى المدونين كثيرة .. و أعتقد أيضا أنه حان الوقت لمواجهة أنفسهم بأخطائهم .. فالأحرى من فئة مثل المدونين الذين يدعون طيلة الوقت المثالية و الملائكية و يتصيدون أخطاء غيرهم بحجة رغبتهم فى " تقدم المجتمع " أن يواجهوا أنفسهم أولا و ليكونوا أكثر قسوة على أنفسهم .. ينبغى لهم ليتقدموا و يصبح تأثيرهم أقوى أن يرتدوا قليلا نحو الخلف .. فلو أن مبدأهم فاسد فكل ما يقولوه _ حتى لو ظاهره رغبة الاصلاح _ فاسد ايضا .. لنرتد قليلا الى الخلف حتى نسير نحو الأمام بضمير مطمئن ..

( راااائع .. ايه الحلاوة دى .. من أجمل ما قرأت .. متمكن و موهوب .. معانى جديده و احساس عالى .. الخ ) ..تلك كانت فقط مقاطع صغيرة للغاية من سلاسل طويلة لا تنتهى من تملق و رياء متناثر دوما فى تعليقات المدونين على كتابات بعضهم البعض .. حتى هنا على مدونتى أجده كثيرا على نصوص أكتبها و أعرف يقينا أنها متواضعة و ضعيفة أدبيا .. فجأة تكتشف من التعليقات أن جميع مدونى مصر هم نسخ أخرى من يوسف ادريس أو أحمد خالد توفيق .. الكل يتملق الكل و بغزارة منقطعة النظير ..

نفاق أجد له الكثير من التفسيرات الغير مريحة على الاطلاق .. مثلا من الممكن أن يكون هذا الكلام هو الرأى الحقيقي لكاتبه .. و لكن عندما يكون النص المكتوب ضعيف أدبيا ركيك لغويا _ و ما أكثر هذه النصوص _ فقائله بالتأكيد حمار لا يفقه شيئا ولا ينقد على أسس موضوعية .. و فى هذه الحالة أفضل ما يفعله هو أن يخرس و لا يدلى برأيه .. احتمال أخر أكثر عفونة .. هو أن يكون المتملق شابا و الكاتبة فتاة .. طبعا فى هذه الحالة فانه ينافقها طمعا فى شىء ما أخر و علاقة أخرى تجمعهما غير كونه قارىء لها .. مستغربين صح ؟

أقسم بالله أن ما سأقوله حدث حرفيا .. جائتنى دعوة اضافة على الايميل الخاص بى ثم اكتشفت أنه مدون صاحب مدونة معروفة .. كلمنى دقيقتين على اعتبار أننى فتاة _ و هو ما يدل على الغباء المتناهى لهذا الشخص .. هو عارف نفسه _ ثم عندما اكتشف أننى شاب لم يرد على بكلمة .. و لم يدخل مدونتى أو يضع تعليقا بها بعد ذلك !!

موقف أخر حدث مع مدونة زميلة .. كانت تتحدث على الايميل مع أحد المدونين الشباب عندما تطاول عليها فى الحديث .. كلام مقزز و ألفاظ قذرة و أسلوب مقرف .. أتذكر جيدا صدمتها عندما كانت تروى لى هذا الموقف .. كانت هى الأخرى تتخيل أنه _ من كتاباته التى تشع مثالية و ثورة على الخطأ _ ينقصه جناحان ليصبح ملاكا .. بالمناسبة هذان ليسا نموذجين فرديين كما سيدعى البعض .. بل هما عنوان لشريحة كاملة فاسدة من المدونين ..

احتمال أخر للتملق .. هو أنه ينافق لينافقه الأخرون .. أو باللغة الأكثر وضوح " يكسب زبون " يأتى عنده دائما فى المدونة و يضع تعليقاته التى تنفجر اعجابا بروعته و أسلوبه ..و كأننا فى سباق محموم هدفه جمع أكبر عدد من المعجبين .. أو أكبر عدد من المنافقين ..

كارثة وجود هذا النفاق و التملق أن المدون بعد فترة يصدقه و يستمد ثقته بنفسه منه .. ثم مع الوقت بعد أن يري كل هؤلاء الحواريين المسبحين بحمده كل يوم يعتقد أنه وصل لقمة الهرم الفكرى .. يتخيل أنه كون معتقداته عن كل شىء فى الحياة و كل من يعتقد غير معتقداته فهو حمار بدون جدال .. يتملكه الغرور .. كل المدونين يملكون نرجسية غير طبيعية .. ثم يتحول من مغرور نرجسى الى ديكتاتور لا يقبل النقاش و لا يثنيه أحد عن أرائه مهما كان وضوح حجته .. ربما يصبح يوما أكثر ديكتاتورية من حسنى مبارك شخصيا .. أعرف الكثير من هذه النماذج و لا أطيق حتى الحديث معهم ..

الكارثة أن المجتمع كله يعانى الزيف .. زيف فى كل شىء .. ثم أكتشف أن من كانوا يهاجمون بضراوة هذا الزيف مزيفون حتى النخاع .. مجتمع تملكه الخراب و فئة خربة و متصدعة تهاجم هذا الخراب أملة فى تغييره !!

غبت فترة ليست قصيرة ثم عدت .. عدت مهاجما فئة من المفترض أننى أنتمى اليها .. و لكننى أعلن الأن أننى لا أنتمى لجماعة المدونين حتى لو استمريت أكتب فى هذه المدونة .. أريد فقط أن أنتمى لعدد محدود منهم أراهم فعلا أقوى من كثير ممن يدعوا فى أنفسهم بطولة ليست بهم رائحتها .. و أرى أن هذه المدونة فقط وعاء مضطر لأن أصب فيه كل ما يجول بعقلى من أفكار لأننى لا أجد وعاء أخر .. و أتمنى أن يقرأ هذا الموضوع أكبر عدد من المدونين و ان كنت أشك أن أحدا سيقرأه من الأساس خصوصا أننى أعتقد انهم نسونى منذ فترة .. لأن منهم الكثير لا يهمه سوى أن أذهب لمدونته لأعلق على ما يكتبه ليأتى الى هو الأخر .. و أنا لا أتعامل بـ " منطق الحلاقين " هذا .. و لن أذهب بعد ذلك سوى لمن أقتنع به و لن أكتب تعليقا يحمل شبهة مجاملة أو نفاق .. و أرجو من كل من يقرأ هذا الكلام من المدونين _ و أنا أولهم _ ألا يستثنى نفسه من النقد و يعتبر نفسه فوق مستوى الشبهات .. ليفكر جيدا و ليسمح لنفسه ببعض الوقت يرتد فيه نحو الخلف .. فقط ليكون تقدمه أكبر و خطواته أسرع !