الخميس، 23 أكتوبر 2008

مجرد نصف أنف !!

ثياب غير مهندمة .. حركات متشنجة عصبية .. ذقن نصف حليقة .. شعر ثائر غير مهذب .. عيون ساهمة تحوم حولها الهالات السوداء ..


عندما تذكر هذه الكلمات فلابد أن يقفز الى الأذهان اسم ( مصطفى عرفان ) !


و عندما يذكر مصطفى عرفان لابد و أن تتردد فى ردهات عقلك بعض الكلمات " سيئة السمعة " التى تصدر عنه دوما ..


فمصطفى عرفان ذو العشرين عاما معروف جدا فى محيطه بكونه سليط اللسان الى أبعد الحدود .. لا يتفوه بجملة الا و يكون نصفها على الأقل سباب بذىء و ألفاظ فاحشة !


هذا هو ما يعرفه الجميع عن مصطفى .. أما ما لم يعرفه أحد فهى حقيقة غريبة فى حياة مصطفى .. هى أن مصطفى عرفان كان يتنفس بنصف أنف ! .. كانت أنفه تعانى تلفا غريبا و هو أن فتحتا التنفس كانتا بالنسبة له فتحة واحدة ! .. منذ مولده و فتحة منهما لا تعمل على الاطلاق .. يستنشق هواءه الذى يبقيه حيا خلال فتحة واحدة فقط .. و لم يفكر يوما فى الذهاب الى طبيب لأن الأمر بالنسبة له لم يكن يمثل مشكلة ما ..

يمكننا القول بأن مصطفى عرفان لا يأخذ من الهواء سوى نصف ما نأخذه نحن !

عرف مصطفى دائما بأرائه الغريبة .. فى أى موضوع و فى أى شىء كانت دائما أرائه صادمة جدا و منفرة .. لم يكن أحد يستطيع تحمله أو يحب محاورته .. دائما هو متحمس لأرائه الغريبة من شعر رأسه و حتى أصابع قدميه .. غير قابل للتنازل عن أى جزء منها .. يدافع عنها بمنتهى القوة و الثورة .. و يهاجم كل من يخالفه بأفحش الأساليب و أقذع الألفاظ ..


ضاق كل من حول مصطفى به ذرعا .. فلم يحدث أبدا أن جلس أحد ليتحدث معه و لم ينته الأمر بشجار عنيف و اهدار كرامة .. و دائما ما تكون كرامة الطرف المضاد لمصطفى بالطبع !


فى أول الأمر كانوا يعتقدون أنه يوما ما ربما تهدأ ثورته قليلا أو يتراجع الى حد ما عن حماسه المبالغ فيه لأفكاره و معتقداته العجيبة .. و لكن الكارثة أنه كان يزداد يوما بعد يوم صلفا و مكابرة و تعصبا لأرائه و أفكاره .. و بالتالى يزداد بذائة و حدة فى الدفاع عنها .. و تزداد كرامة من يعارضه نزفا للدماء !


هجر الناس مصطفى .. ابتعدوا عنه .. لم يعودوا يستطيعون الحياة جواره أو الجدال معه أو مجرد النظر اليه .. تكون داخلهم _ رغما عنهم _ ارتباط شرطى بين مصطفى عرفان و الكثير من المعانى الكريهة .. مثل الغرور و التكبر و الصلف و بذائة اللسان و التعصب المجنون للرأى .. أصبح مصطفى هو المعادل الحى لكلمة ( جنون ) ! .. و ترددت الكلمة كثيرا .. مجنون .. مجنون ..


و لأن مجتمعه لفظه بشكل كامل .. و لأن الجميع أراد ما حدث .. لذلك فقد كان لابد أن يحدث ..


تم حجز مصطفى فى مستشفى للأمراض النفسية و العصبية .. !


و فى صباح ذلك اليوم .. و قبل أن يجد الأطباء جثته الباردة المائل لون جلدها الى الزرقة مستلقيه على الفراش .. وجدوا بجوار مصطفى تلك الكلمات ..




( كانت دائما الحقيقة العارية هى نصف ما يتلقاه الناس من كل ما حولهم .. فقط النصف .. بينما كان النصف الأخر تنويعات على نغمة " كيف أخفى الحقيقة العارية ؟!! " .. فمثلما يكتسب الناس ادراك الحقيقة البكر كما خلقها الله .. يكتسبون أيضا كيفية اخفائها و الالتفاف حولها و التحايل عليها .. يكتسبون كيفية اقناع نفسهم و من حولهم بعكسها أو بوجه شائه لها .. اعتادوا هذا التحايل لأن الحقيقة البكر دائما ما تكون قاسية .. لا تستطيع تحملها الجبال .. و لذلك حرص الانسان دائما على الهروب من ادراكها أو الاعتراف بها لنفسه أو للأخرين .. منذ قديم الأزل و هو يتفنن فى اخفائها و تشويهها كى يتمكن _ كما يظن _ من الحياة فى " بعض " راحة البال .. كى لا تنسف رأسه أفكارا قاتمه عاصفة لا تبقى ولا تذر ..


فى القديم ابتكر الانسان هذا الفن الجديد المدعو بـ " التحايل على الحقيقة " .. ثم أصبح الأن يكتسب هذا الموروث الانسانى من كل ما حوله و من حوله .. أصبح يتنفسه مع الهواء الذى يملأ به رئتيه .. يستنشقه من كل ما يحيط به .. الجميع يصب فى خانة الجميع .. أصبح التحايل على الحقائق البكر هو القاعدة منذ أزمان طويلة .. و أصبح كل جيل يوجد يستنشق فنونا جديدة للتحايل مع كل استنشاقه للهواء الذى يمنحه الحياة ..


و لأننى خلقت بنصف أنف .. فقد كنت منذ مولدى أتنفس فقط نصف ما يتنفسه الناس .. كان كل ما يملأ صدرى و عقلى و جوارحى هو فقط الحقيقة الجرداء العارية من أى شبهة زيف ! .. كانت حقائق الأشياء هى كل المدخلات التى ترد عقلى .. لم أستطع _ رغما عنى _ اكتساب هذا النصف الأخر من الفنون و الطرق المتداولة للالتفاف حول تلك الحقائق التى كانت تردنى .. فقط الحقيقة العارية الصادمة القاتلة هى ما كنت أحيا بها !


و لذلك كنت دائما فى حالة ذهول عميق ضارب الجذور داخل أعماق روحى .. ذهول ناتج عن التناقض الفج اللا انسانى بين ما أدركه من حقائق و ما يحدث حولى من كل من يحيطون بى .. كنت أتحدث و أصرخ و يجن جنونى و أنا أحاول اقناع كل من حولى بغباء ما يفعلون .. أحاول تنبيههم لمحاولاتهم المستمرة خداع أنفسهم .. أحاول أن أبين لهم ما أراه أنا من حقائق صافية نقية .. و لكن بلا جدوى ..


انصرفوا عنى و اعتبرونى مجنونا .. كانت الفجوة تزداد بيننا يوما بعد يوم .. كلما ابتعدوا هم عن الحقيقة كلما اتسعت الفجوة بيننا ..


ارتفع صوت صراخى .. سالت الدماء من أحبالى الصوتية و هى تطالبهم بالعودة .. تمزقت ! .. تمزقت و تمزق كل جزء منى من فرط ما عانته أعصابى من احتراق و ما عاناه عقلى من ارهاق ..


و مع يأسى من انصاتهم أو سماعهم لصرخاتى المستمرة .. و مع انصرافهم المنتظم عنى الى الأبد .. أصبحت أتمنى فى كل وقت أن أصبح مثلهم .. لماذا يا ربى خلقتنى بنصف أنف ؟! .. لماذا لم تمنحنى أنفا كاملة مثل كل من حولى ؟ .. لماذا لم تعطنى امكانية خداع نفسى كما يفعلون هم ؟ .. يا ربى كل ما أطلبه منك هو نصف أنفى الأخر .. مجرد نصف أنف !!


و لكن هيهات .. لم أستعد نصف أنفى الأخر .. و لم أستعد معه القدرة على المعايشة و التعايش .. القدرة على المخادعة و الخداع .. نصف أنفى الذى عشت به طوال عمرى مصمم على تعذيبي الى الأبد ..


حقائق عارية .. أصرخ ..

صادمة .. أعصابى تنهار .. مخيفة .. رأسى يتمزق .. قاتلة .. قلبى يتواثب ..


تبا لك من نصف أنف !! .. تبا لك و لكل ما تحمله لى من متاعب .. لم أعد أستطيع تحملك لساعة أخرى ..


لا تريد أن تمتنع عن تعذيبي ؟ .. حسنا .. سأجعلك أنا تمتنع عما تجلبه لى .. و لنر من منا يستطيع هزيمة الأخر !! )



مصطفى عرفان
17/4/2006



الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

عن المواطن سلجابى !!

( يا عم ده شعب سلبى _ دول ناس خلاص خدو على ضرب الجزم _ ده شعب لازم يتغمى و يتساق _ شعب مبيعرفش يقول لأ .. الخ ) كل هذه العبارات تتردد بكثرة على ألسنتنا جميعا ناعتين أنفسنا بها .. جميعنا نتهم دائما الشعب المصرى بأنه سلبى و خاضع و لا يهب للمطالبة بحقوقه المسلوبة .. و كأن هناك اتفاق ضمنى بين جميع أفراد الشعب على هذا الرأى .. الجميع يؤكد ذلك .. الفقير قبل الثرى و الجاهل قبل المثقف .. الكل أجمع على أننا شعب ابن كلب يستحق كل اللى يجراله لأنه ساكت على حقه و رضى لنفسه الذل ..

بالطبع كنت أنا أيضا أردد دوما هذا الكلام .. أغضب و ألعن و أسب هذا الشعب لأنه لا يتحرك كلما حدث شىء ما من الحكومة يتسبب _ و ما أكثر هذه الأشياء _ فى ارتفاع ضغط دمى .. و لا زلت الى الأن أتفوه بهذه العبارات لا اراديا دون وعى كلما حدث شىء ما يستدعيها الى ذهنى ..

باختصار .. كلنا أجمعنا أن الشخصية المصرية شخصية سلبية بطبعها ..

و لكنى أرجوكم الأن الى النظر الى الأمر من زاوية أخرى ..

عندما يعتاد انسان ما على عدم استعمال عضو من اعضاء جسده و يتم اهماله بشكل كامل .. فان هذا العضو يصيبه التضاؤل و الضمور .. ثم لا يصبح له أى قيمة تذكر فى الجسد و يصبح بعد ذلك غير قابل أصلا للاستخدام ..

لم يعتد الانسان المصرى منذ قديم الأزل على ممارسة حقه الطبيعي فى الاختيار او الاعتراض .. اختيار حياته التى يراها مناسبة له .. اختيار حاكمه .. الاعتراض على قرارات رؤسائه التى يراها خاطئة .. كل هذه الحقوق الأصيلة تم سلبها منه بشكل عفوى جدا و تلقائى للغاية حتى أصابه الشك فى كونها أصلا من حقوقه .. قهره حكامه منذ أن كان التاريخ رضيعا و حتى أصابته الشيخوخه .. لم يسأله أحد أبدا فى يوم ما " انت ايه رأيك فى الموضوع ده ؟ .. طب نعمله و لا منعملهوش ؟ " .. حتى ألهته التى يعبدها كان فراعينه يفرضونها عليه .. سلبوه حقوقه فى وقت لم تكن فكرة حرية الانسان و حقوقه تبلورت فيه بشكل كافى فلم يملك مبررا قويا يدفعه للثورة أو الاعتراض .. حتى أصيب هذا العضو المعنوى المسمى بـ " القدرة على الاعتراض و الاختيار " بالتضاؤل و الضمور من فرط اهماله الاجبارى .. من يأتى الأن ليحاسب الشعب المصرى على سلبيته يشعرنى بأنه كان نائما لألاف السنوات ثم استيقظ فجأة ليجد شعبا يائسا محبطا مستسلما فيصرخ هادرا شاتما لاعنا الشعب و اللى جابو الشعب .. يتحدث فقط عن النتائج دون النظر الى المقدمات ..

نعم .. ربما يكون الشعب المصرى سلبيا .. و لكن لسلبيته أسباب أعمق بالتأكيد من كونها عيبا خلقيا ..

هناك قاعدة طبية معروفة تقتضى بأنه بمعالجة المرض يزول العرض تلقائيا .. بينما معالجة العرض نفسه لا تسبب زوال المرض .. و لا تؤدى الا الى ضياع الكثير من الوقت يستشرى فيها المرض أكثر فى جسد المريض ..

أرى أن سلبية المواطن المصرى ما هى الا عرض من أعراض مرض الاستبداد الذى بليت به مصر منذ أن ظهرت فى الوجود دولة تسمى مصر .. فكما يقول المفكر العظيم جمال حمدان : " مصر حكومة و طلعلها شعب !! " .. مرض الاستبداد كالسرطان ينتشر فى خلايا الشعوب و تظهر أعراضه و اضحة فى سلوكياتهم .. الانسان المصرى يشعر دائما و أبدا بالقهر فى كل الأوقات و تحت كل الظروف .. شعور يولد لديه الاحساس بعدم الأمان داخل بلده و بجوار أقرب الناس اليه .. مما يؤدى به الى الشعور بالتضاؤل .. ثم الانكماش داخل نفسه و الهروب خوفا من خطر لا يعلم مداه .. و يظهر هذا الانكماش و الهروب بوضوح فى السلبية و عدم المشاركة فى أى شىء او الاعتراض على أى قرار ظالم ..

لا ينبغى أبدا أن نترك المرض و نظل ننظر باستنكار الى العرض .. فليزول الاستبداد أولا من على عاتق المواطن المصرى لتزول معه السلبية و اللامبالاه .. و لكن أرجوكم أن تتوقفوا عن الافتراء على هذا الشعب و نعته دائما بالسلبية .. فليس على المريض حرج !

ملحوظة أخيرة : أعتقد أن الثمانين مليون مصرى على يقين تام بأن المواطن المصرى سلبى و غير قادر على قول لا .. فى حين أن الثمانين مليون أنفسهم يشكلون هذا الشعب المصرى .. يعنى المواطن واخد باله انه سلبى و بيقول انه سلبى .. و المواطن اللى عارف انه سلبى و بيقول انه سلبى يبقى مواطن مش سلبى !! .. نفى النفى اثبات .. لو كان المواطن فعلا سلبى الى هذه الدرجه و مطرمخ و مفيش حاجه فارقه معاه كان زمانه عاجبه حاله و فاكر نفسه عايش 100 فل و عشره .. لكن كونه معترض على اسلوب حياته و شايف انه لازم يعترض و يقول لأ فده بيضفى عليه صفه ايجابية بتقل معاها صفته السلبية .. يعنى قول انا ايجابى جدا لأنى معترف ان انا سلبى جدا !! .. أو الافضل فى الحالة دى متقولش سلبى و لا ايجابى .. قول انا مواطن سلجابى !!