الاثنين، 20 أبريل 2009

إفرازات شبه بيولوجية !

جميعهم يلتفون حولى .. ينظرون لى نظرات تحمل الدهشة و تثير الذعر .. يشكلون دائرة واسعة تحيط بى .. يدورون حولى بثبات .. أنظر إليهم متوسلا و متسائلا .. تضيق الدائرة شيئا فشيئا .. أشعر بالاختناق .. أحاول الهروب عالما بلا جدوى محاولاتى .. الدائرة تضيق أكثر .. أشعر بهم موشكين على اختراق ضلوعى .. أتنفس بصعوبة .. بصعوبة بالغة .. لا أسـ .. تطـ .. يع .. التـ .. نـ .. فس .. آآآآآآآه !

" كام عاااااام .. و مواسم عدو .. و شجر اللمون .. دبلان على أرضه " ..

استيقظت صارخا لأجد هاتفى المحمول يعلن عن مزعج ما يتصل بى .. لم أدر بالضبط هل صراخى هو ما أيقظنى أم صوت منير المنبعث من الهاتف .. تناولت الهاتف .. إنه صديقي حسام .. أخبرنى أنه سيكون فى الكافتريا بعد نصف ساعة .. و أخبرنى أن أحمد و باسم سيكونا معه هناك ..

قمت من على الفراش متململا .. غسلت وجهى فى لا مبالاة ثم ارتديت ملابسى بعدم اهتمام .. سرت حتى نهاية الشارع ثم وقفت فى انتظار " السرفيس " .. مرت أكثر من سيارة أجرة أمامى و لكننى كنت مصمما على السرفيس .. سيارة أجرة ؟ .. كفانى تبذيرا ! .. يمكننى أن أبتاع علبة سجائر بما سأدفعه لسائق السيارة الأجرة !

أخيرا وصل بعد طول انتظار .. بالطبع كان ممتلئا عن آخره كالعادة .. لا مشكلة هناك فأنا معتاد على " الشعبطة " حتى أننى أصبحت أرى الجلوس على المقاعد بالداخل نوعا من التدليل الزائد !

ها هى الكافتريا من جديد .. دخلت و صافحتهم فى برود ثم جذبت مقعدا و جلست .. نفس الأجواء و نفس الوجوه كل يوم .. نفس الأفعال المملة المبتذلة .. نفس الدعابات السمجة و المرح الزائف .. نفس شكل الطاولة و نفس أرقام النرد .. هكذا كل يوم .. الكثير من الـ" دورجى " و الـ" شيش بيش " و الـ" هابياك " .. الكثير من الدعابات الجنسية و الشتائم البذيئة على سبيل المزاح .. الكثير من فراغ الروح و ضمور العقل و قتل الوقت .. يا سلام ! .. يا لها من حياة رائعة !

التفت لى باسم قائلا : " ايه يا برنس .. أخبارك ايه ؟ .. منور و النعمة ! " .. آه .. نسيت ! .. هناك أيضا الكثير من ألقاب النداء على شاكلة " يا برنس " و " يا معلم " و " يا شقيق " و أحيانا " يا اسطى " ! .. و ذلك طبعا باعتبار أن شهادة ميلادى تحمل علامة " ــــــــ " أمام خانة الاسم !

ابتسمت له ابتسامة صفراء و هززت رأسى قائلا : " الحمد لله .. عايش " .. بالفعل لم يكن مزاجى رائقا بالمرة .. كنت أميل إلى الصمت و الانعزال .. فى الغالب كنت راغبا فى استراحة قصيرة من الادعاء على وعد بمواصلته فى اليوم التالى !

كان أحمد و حسام يلعبان الطاولة فى اندماج .. و باسم يدخن الشيشة فى تلذذ و يتابع كليبا لعاهرة أخرى ممن يظهرون كل يوم على التلفاز .. الدخان ينبعث من أنفه و فمه و الشهوانية تنبعث من نظراته و جوارحه .. " آآآآآخ .. جامدة ! " .. يقولها بتلقائية شديدة .. ينفث الدخان بغزارة .. أعتقد أن الشيشة ليست هى المصدر الوحيد للدخان الآن .. فباسم موشك على الاحتراق فعلا !

" مش ممكن .. مستحيل يكون طبيعي .. ده أكيد سيليكون ! " .. قالها باسم فى حماس .. ليرد أحمد بلهجة العالم ببواطن الأمور : " يا عم صدقنى طبيعي .. ايه مستغرب اوى كده ليه .. ما فى طبيعي و اكبر من كده ! "

ها قد بدأت الحوارات اليومية السقيمة .. أربعة عقول لأربعة شباب تجتمع على مائدة واحدة لتتناقش حول ماهية ثدى عاهرة !

بالطبع أخذهم الحديث إلى مناطق أخرى أكثر أهمية .. كالفستان الذى ارتدته هيفاء وهبى فى الكليب الأخير و عدد فتحاته .. و النيولوك الذى ظهرت به نانسى عجرم فى حفلتها ليلة أمس .. و التصريحات النارية التى أطلقها تامر حسنى مهاجما عمرو دياب و كيف رد عمرو عليه .. ياه ! .. يا للإثارة ! .. إن قلبى يتواثب انفعالا !

بدأت أضيق بشدة و أنا أستمع مرغما لحديثهم هذا .. ثم بدأت أشعر بحبات من العرق تتكون على وجهى رغم برودة الجو !

"_ يا ابن الكلب يا محظوظ ! .. الزهر خدمك جامد ! " .. قالها حسام لأحمد و هو يغلق الطاولة بعصبية ..

"_ هو انت ياض عشان ملكش فيها فاكرنى زيك .. دى حرفنه يا ابن الهبله ! " .. قالها أحمد فى زهو حقيقي .. حتى لتعتقد أنه حصل لتوه على بطولة شمال أفريقيا للطاولة رجال !

العرق ! .. أصبحت أتصبب العرق بغزارة غريبة .. إحساس خانق جدا و لزج .. لزج تماما كنظراتهم المندهشة نحوى الآن .. " ايه يا ابني العرق ده كله ؟! .. ده حتى الجو برد .. انت تعبان ؟ " .. أهز رأسى نافيا .. ثم أتناول منديلا ورقيا آخر لألاحق العرق المتناثر ..

أرى حسام يخرج بعض الأقراص من جيبه و يناولها لباسم ..
"_ خليهم معاك يا باسم لحسن ابويا اليومين دول مضيقها عليا اوى و لو لقاهم معايا هتبقى مصيبة " ..
"_ اشطة يا كبير .. بس هحتاج واحدة منهم بكرة ضرورى معلش " ..
"_ يا باشا خد اللى انت عايزه .. ده احنا بتوعك يا اسطى ! "

حبوب مخدرة أيضا ؟! .. ما شاء الله ! .. آداؤهم يتطور بسرعة مذهلة !

" ايه يا ابني مالك كده النهارده .. ساكت ليه ؟ " .. قالها لى أحمد لأرد عليه بلا مبالاة " عادى ! " ..

"_ يا عم متعشش ف الدور كده ! .. متعملليش فيها مكتئب و قرفان و بتاع .. عيش سنك يا ابني و فكها .. الحياة بيس يعنى مش مستاهلة ده كله " ..

بيس ؟!

انضم له حسام قائلا :
"_ صحيح انا مش فاهم انت ليه ديما شايل هم حاجات اكبر منك .. يا ابني انت مش هتصلح الكون .. عيش زى ما الناس عايشة و سيبك م الافكار اللى ف دماغك دى ! "

ألم يكن العرق يكفى ؟! .. أشعر بسائل حمضى حارق يتجمع فى معدتى .. بطنى تؤلمنى جدا و أشعر بالغثيان ..

"_ اشمعنا انت لوحدك اللى بتكبر المواضيع و بتضايق نفسك عشان حاجات ملكش فيها ؟! .. ما انت شايفنا اهو كلنا عايشين حياتنا و خلاص .. محدش يعنى معقد نفسه زيك كده .. انت بجد غريب جدا ! "

بالفعل لم أعد أحتمل ! .. السائل الحمضى اللعين يجتاح معدتى و الشعور بالغثيان يغمرنى .. سأتوجه إلى دورة المياه حتى أتقيأ هناك و ..

و لكن لا !

"_ متعملش فيها ثورجى و بتاع مبادىء ! .. الدنيا دلوقتى مش عايزه كده خالص والا هتاخد فوق دماغك ! "

حسام و باسم و أحمد .. الكليب و العاهرة و الثدى السيليكون .. فتحات فستان هيفاء و نيولوك نانسى .. تصريحات تامر و ردود عمرو .. الطاولة و النرد و الشيشة و الحبوب المخدرة .. أفكارهم المقززة التى أغرقونى بها منذ أن جلست معهم .. أفكارهم التى تتضمن كونى مدعيا و مغاليا و موهوما .. أفكارهم التى تؤكد أن نهايتى ستكون سوداء .. أفكارهم التى أعتقد أن برازهم يحمل جاذبية شديدة بالمقارنة بها ! .. أفكارهم التى لا تستحق أن أرد عليها بأفكار أخرى .. هذا هو الرد الوحيد المناسب و العادل إذن !

"_ كل اللى كانو زيك لما خدو أول قفا اتعدلو .. و لا انت مسمعتش عن حمدى اللى جابــ .. "

أووووووووووووووووووووووووع !

أفرغت معدتى .. أغرقتهم بافرازاتى البيولوجية حتى آخر قطرة ! .. نظروا إلى بدهشة اندهشت لها كثيرا .. هذا هو ردى عليكم يا حمقى ! .. هذا هو ما يليق بكم ! .. لماذا تلك الدهشة على وجوهكم ؟! .. تناولت منديلا لأمسح به فمى .. نظرت نحوهم بانتصار .. و أوليتهم ظهرى مغادرا قبل أن يحاولوا النطق بكلمة !