الأحد، 23 نوفمبر 2008

نقل عبد الحميد الأنصارى !

" سؤاااااال .. بسألك .. ايه أخرة الترحال ..
و سهر الليالى .. و كل يوم بحال .. "

كان صوت منير ينطلق ليملأ كل فراغات السيارة .. صارخ معذب ضاغط على كل أعصابى .. ربما يكون هو الحسنة الوحيدة التى فعلها ذلك السائق الذى أستقل الأن سيارته الأجرة .. السائق الذى _ كعادة كل سائقى الأجرة _ يدخن بشراهة و يعاملك طيلة الوقت باعتبارك " جوز امه " .. عصبى نامى الذقن طويل الأظافر .. دائم الشجار و اللعن و السباب .. كنت متوقعا منه أن يدير أغانى من نوعية : " أنا عامل دماغ تماااااام .. مام .. مام .. مام .. مام " و لكنه _ و لحسن الحظ _ خيب ظنى الفنى فيه و قام باطلاق العصب العارى المدعو مجازا بـ " محمد منير " ..

بالذات هذه الأغنية ! .. بالذات على هذا الطريق !

الأن أستطيع أن أرى بوضوح وجه هشام الذى يختلج انفعالا بكلمات الأغنية .. عندما كنا نسمعها سويا كانت كل حركة فى جسده تنطق بمعانيها .. كل نظرة من عينيه تجعلك تقسم أن منير غناها خصيصا من أجله .. هشام الذى أهدته لى الأيام بديلا لتعويضي عن شخصيتي الانطوائية و عزلتى و وحدتى الدائمة .. ربما يكون الوحيد الذى فهمنى فى هذا العالم .. لم يكن حبى لهشام مجرد حب لمجرد صديق .. هو شعور من السخف أن أحاول شحنه فى بعض الكلمات العرجاء القاصرة ..

الأن أذكرك يا هشام .. أذكرك مسافرا على نفس الطريق الذى كان هو طريقك الى عالم أخر غامض .. كان هو نهاية حياتك العزيزة القصيرة ..

" سؤااااال .. بسألك .. ايه أخرة الأحزان ..
دمعتى موالى و الحنين قتال .. "

منذ أن عرفتك يا هشام بملامحك الجادة و نظراتك الثاقبة .. دوما كنت أراك دائم الحركة محموم النشاط .. أولوياتك المطلقة هى العمل و الاجتهاد و تحقيق الذات .. كنت أشعر دوما بأن الحياة اللعينة تسلبك منى .. تستحوذ عليك تماما و ترسم لك قصورا من الأحلام التى كنت دائم الركض نحوها بلا كلل ..

" سؤااااال .. بسألك .. ايه أخرة الأحلام ..
ليلاتى وخدانى فى بحر م الأوهام .. "

كنت أشعر أن ركضك المستمر نحو أهدافك التى لا تنتهى سببه الأساسى خوف مستقر بداخلك يعتصر كيانك .. خوف من المستقبل و من الأيام القادمة .. أنت تركض نحو الحياة خوفا منها و ليس حبا فيها .. كنت أعرف ذلك جيدا و كنت دائما ما أقوله لك ..

_ هشام .. لا تدع خوفك من القادم يفسد عليك استمتاعك بالحاضر .. أنت تضيع أجمل أيام عمرك و زهرة شبابك فى قلق و تعب و لهاث فارغ لا معنى له .. صدقنى يا هشام ستفيق يوما ما عندما تصبح ضخم الكرش شائب الشعر واهن الجسد و ستندم على تضييعك الكثير .. الأحاسيس الانسانية لا تقدر بمال يا هشام .. لا تعطى هذه الدنيا أكبر من حجمها .. انها دنيا حقيرة يا صديقي .. و نهايتنا ستكون واحدة ..

كنت تنظر لى نظرة تحمل الكثير .. نظرة ألمح فيها العتاب كما ألمح فيها الاتهام .. تتهمنى صامتا بأننى أحاول احباطك و هدم عزيمتك و تثبيط همتك .. اتهام لم تنطق به يوما .. و نظرة كانت تخيفنى منك كما كانت تقلقنى عليك ..

يوما بعد يوم كانت الحياة تأخذك منى و من كل من حولك .. كنت تعلو الدرجات فى عملك .. حياتك المادية تزدهر .. و حياتك الأنسانية تضمحل و تنكمش .. لم أكن أدخر فرصة لتذكيرك ..

" انها دنيا حقيرة يا صديقي .. و نهايتنا ستكون واحدة .. "

" سؤاااااال .. بسألك .. ايه أخرة العذاااااب ؟! "

أبدا لم تستمع لى يا هشام .. دوما كنت أرى نفس النظرة المتهمة .. لم تتغير أبدا و لم تعر كلامى اهتماما .. ازددت ركضا مع الأيام .. و ازددت ازدهارا فى عملك و بسطة فى مالك .. حتى ابتعت هذه السيارة التى يحلم بها الكثيرون .. كنت حقا سعيدا بها .. لمحت هذه السعادة فى عينيك .. لم تكن تدرى أنها ستكون وسيلة انهاء رحلتك المرهقة التى لم تسمح لنفسك خلالها أبدا بأن تستريح .. لم تكن تعلم و أنت تسير على نفس هذا الطريق أن هناك الكثير من سائقى سيارات النقل يقودون سياراتهم و هم تحت تأثير المواد المخدرة .. لم تكن تدرى أن سائق هذه السيارة التى كانت أمامك بالذات منهم .. تبا لكل سيارات النقل و تبا لكل سائقيها !

_ تبا لكل سيارات النقل و تبا لكل سائقيها !

كانت هذه من السائق الذى أجلس جواره والذى انتشلتنى صرخته العصبية من خواطرى .. نظرت فى اتجاه يديه فوجدت سيارة نقل ضخمة تسير بسرعة كبيرة أمامنا مباشرة و تفصلنا عنها أمتار قليلة .. دارت عيناى بسرعة على جسم السيارة .. كانت تحمل على ظهرها الكثير من الصناديق المرسوم عليها أجهزة كهربية تحمل علامات تجارية فاخرة .. و قد انتشر عليها _ كعادتهم جميعا _ الكثير من الكلام المتظرف من نوعية : " متبصش يا عبيط دى الحلوة بالتقسيط " و هذا الكلام الفارغ .. و كانت بالطبع تحمل لوحة أرقام كتب عليها " نقل عبد الحميد الأنصارى " لونها أبيـ ...

لحظة !
نقل عبد الحميد الأنصارى ؟! .. اسمى أنا مكتوب على لوحة أرقام سيارة نقل ؟!

بالتأكيد عقلى المنهك يتلاعب بى أو أن هذه النظارة الطبية السخيفة لم تعد تعمل كما يجب .. خلعت النظارة و فركت عيني جيدا و أمعنت النظر فأيقنت أنها كذلك بالفعل .. نقل عبد الحميد الأنصارى ! .. كيف يمكن ذلك ؟! .. هل أطلقت الحكومة أخيرا اسمى على محافظة من المحافظات تقديرا لجهودى العظيمة فى خدمة الوطن و .. جهودى العظيمة ؟ .. وطن ؟ .. اتلهى يا عبد الحميد !

ماذا يحدث اذن ؟! .. فكرت أن أسأل السائق عن المكتوب على اللوحة ثم تراجعت خاصة أنه ليس لطيف المعشر الى هذا الحد .. و لكن الجواب جائنى فجأة حين صرخ السائق :
_ أه يا ابن الكاااالب .. سواق ابن كلب صحيح .. الله يلعن أبو البحيرة ع اللى بييجو م البحيرة !

اذن المكتوب على اللوحة : نقل البحيرة ! .. نقل البحيرة .. السيارة التى قتلت هشام كانت أيضا نقل البحيرة !
حسنا .. فلتكن حتى نقل كوالالامبور فليس هذا وقته .. لماذا أراها أنا نقل عبد الحميد الأنصارى ؟! .. و لماذا لا يراها السائق مثلما أراها ؟! .. و لماذا تعترض هذه السيارة طريقنا بهذه الطريقة الجنونية الغريبة ؟! .. دارت عيناى بجنون على السيارة لعلى أفهم أى شىء أو أجد أى جواب على تساؤلاتى ..

" تاعبنى سؤااااالى .. يا ريت الاقى جواب .. "

و عندما وقعت عيناى على مرأة السيارة و وجدت عيني هشام الثاقبتين الناظرتين نحوى و وجهه الذى ملأته ابتسامة تحمل من القسوة قدر ما تحمله من السخرية .. فهمت كل شىء ..

..............................
" انها دنيا حقيرة يا صديقي .. و نهايتنا ستكون واحدة .. "
..............................
و بعد أن دوى صوت الاصطدام العنيف .. و فى مكان منعزل من عالم أخر غريب لم أعتده بعد .. و بعدما أتم عملية نقلى بنجاح .. قال لى هشام فى لا مبالاة شامتة :
_ لماذا كل هذا الغل و الغضب فى نظرتك الأن ؟ .. انها دنيا حقيرة يا صديقي .. و قد كانت نهايتنا واحدة !
......................
نشر فى مجلة بص و طل الالكترونية ..http://www.boswtol.com/aldiwan/ndonia_229_066.html

هناك 12 تعليقًا:

Unknown يقول...

طب وبعدين؟؟ دى تانى مرة اقرا القصة وتانى مرة افتح التعليقات....
ايه دة؟؟؟ انا مش عارفة اقول الصراحة قلبى بيدق بعنف من تانى سطر تقريبا..ايه السبب؟؟ معرفش..
انا لازم اعترف انى مفهمتش القصة كويس او بمعنى تانى القصة صداها فى عقلى يمكن يكون مختلف عن المعنى الحقيقى...انا اعرف هشام كويس.. وصفك لطموحه وجريه فى الدنيا مسنى بشدة... انا حاسة انى فعلا اعرفه كويس..مش معقول حد يبقى عارفه كدة غيرى طب انت عرفته ازاى؟؟
تضفير كلمات الاغنية دى بالذات جوة الاحداث شىء مش طبيعى دى بالذات؟؟
ليه طيب؟ وصفك لمنير على فكرة ابهرنى.. اسلوب السرد شنيع والقطع اللى حصل وهو بيوصف العربية.. القصة دى مش معقولة انا لسة مشدوهة بجد ومتنحة ودى مش مبالغة خالص على فكرة والله العظيم لسة قلبى بيدق بعنف فعلا حاسة ان المفروض حاجة تحصل حالا بس هى ايه مش عارفاها....
التعليق طويل ومالوش لازمة وملغبط والكلام مش مفهوم ومش مترتب بس مش عارفة اعلق بكلام غير دة...

ola_barakat يقول...

اوسااااااااااااااااما
الله يرحمك
ويرحم عبد الحميد الانصاري
وايه الصور الحلوه دي
مانت كويس اهو امال فيه ايه بقي

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

اقول .. ولا ؟!!

بجد بجد اسلوبك شدنى اعرف ايه الحكاية ؟!

لكن ارجع و اقول وقفت مع نفسى كتير عشان افهم .. ايه المغزى من الكلام ؟!

حاسة ان اغنية منير هى الالهام لما بعدها .. اختيارك ليها ف محله .. كل مقطع منها بيعطى التواصل و الفكرة و النساؤل و التوقع لما هو اّت .
بجد الاغنية معبرة جدا عن المضمون و قدرت تخرج كل الاحساس اللى جواك .

تاعبنى سؤالى .. يا ريت الاقى جواب ؟!!
هو دا !!

دمت مبدعا مبهرا .. من جميل الى اجمل .

ارق تحياتى ليك .. سلاااااام

أبوعبيده يقول...

سلام عليكم....
بص بقى يا باشموهندز... أنت زودتها كتير .. مش هتكلم عن ألاسلوب الجميل اللى القصه مكتوبه بيه .. بس النفساوايات اللى فى القصه.. ماشى..
السوداويه والاحقاد والفهم المغلوط بين الشخصيات وبعضها بيمثل شىء كبير من الحقيقه اللى بنهرب منها.. ربنا يسامحك... أثرت جوايا أفكار وذكريات مكنتش أحب أفتكرها ...
دمتم ودام ابداعكم ...بقولها وانا هتفلق

غير معرف يقول...

اسحنت ياااابنى ان اسلوب الادبى يزداد كل يوم تطورااااا ولاكن معذرتا يابنى احتاج لشرح القصه

غير معرف يقول...

سلام عليكم ..
معلش يا أسامة أنا مابدخلش هنا علشان أصقف و أغازل في جمال عيونك .. أنا هنا علشان أعلق على البوست ده و بس .
أسلوبك طبعا معروف و مميز في القصة القصيرة من الجانب الروائي .. و جميل فيه الرابط النفسي للقارئ ، من الآخر بتلعب كويس على نفسية القارئ علشان تشده لإننا و بكل بساطه جوانا هذا الجانب المظلم الحائر .
فيه مشكلة كبيرة يا هندسة .. كل التعليقات بيقولوا لحضرتك إنهم مش فاهمين المغزى من القصة .. و مافيش حاجة اسمها العيب من القارئ .. القصة كانت محتاجة منك شوية تركيز و بسط في الموضوع ودخول أحداث إضافية علشان تظهر الحتة الفانتازيه اللي أنا برضه مافهمتهاش غير لما انت شرحتهالي .
الحلو مابيكلمش يا باور .. انت كنت من قلائل الناس اللي كسروا القاعده دي في كتابات كتير فاتت و في قصص قصيرة برضه أمتعتنا .. لكنك المرة دي تفشل في تحطيمها.
منتظر منك ماهو أفضل .

محمـود حجـاب

غير معرف يقول...

انت عارف يا سمسم انا مفهمتش حاجه يعني عاوزك تبقي تقولي مضمون القصه لاني غبي حبتين بس نيس والمره الجايه تعمل حاجه الجهله الي زيي يفهموها قشطه يا سمسم سلاااااااااااااااااااام

رفعت

م/ الحسيني لزومي يقول...

من اجل مصر
شارك في الحملة الشعبية للقيد بالجداول الانتخابية وادعو غيرك
ضع بنر الحملة علي مدونتك
البنر موجود علي مدونتي
اذا كنت ترغب في وضعه علي مدونتك ارسل ميلك كي ارسل لك كود البنر
ارجو المعذرة للدخول بلا مقدمات لأني ادخل علي مئات المدونات يوميا

غير معرف يقول...

جميلة جدا بس ده لانك حكيتهالي بالتفصيل قبل كده
انا مستني منك قصص تانية كتير
كفاية بقي بااااي

غير معرف يقول...

قصة ممتازة، لغة عذبة صافية دقيقة سليمة، محكمة البناء، تقوم على مفارقة بين طريقين في الحياة، لكنهما ينتهيان نفس النهاية. صحيح أنها تحمل قدرية واضحة ولكن لم لا، لكل يقينه، وهذا كثيراً ما يحدث في زماننا لأسباب واقعية لكننا نفسره تفسيراً قدرياً. وأحياناً لا نملك سوى ذلك.

والمفارقة مركبة، فليست النهاية فقط واحدة، بل إن "هشام" يتبنى (في الموت) نفس وجهة نظر صديقه وينطق بكلماته في النهاية.

د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة

غير معرف يقول...

بص يأسامه والله كنت ناوى اسألك سؤال بس لما لقيت ان فى ناس كتير سألتو فقلت ملهاش لزمه السؤال اكيد انت عرفتو ؟
بس انا عجبنى اوى الاغنيه بتاعت منير مع القصه بجد يعنى عملت جو يخليك تحس انك عايشها مع الشخصيه .
ماجد مصطفى

غير معرف يقول...

الإبداع الحقيقي حري ٌبالتعبير عن ذاته ، والفكر الإنساني لم يخلق ليختنق في ظلام الصدور، والمبدع الحقيقي يمتلك دوماً الحق المطلق في أن تجد أعماله طريقها للنور باعتبارها خلاصة تجربة إنسانية كاملة تستحق النشر .
من هذا المنطلق تعمل دار رواية للنشر الإلكتروني على إفراد مساحة كاملة للنشر لكافة مبدعي الشبكة العنكبوتية بإعتبارها الخطوة الأولي نحو النشر الورقي، وفي سبيل الحلم في أن يصل إنتاجك للجميع تتعهد الدار خدمة النشر الإلكتروني على موقعنا أولاً بصورة تليق بالأعمال مع توفير الدعاية اللازمة والمناسبة له على الشبكة على كافة المستويات ثم تقديم ما يصلح منها لدور النشر المختلفة شرط أن يكون حجم هذه الأعمال صالحاً للنشر الورقي .
بدايتنا هي الحلم المشترك ودافعنا للاستمرار هو الأعمال المميزة من أجل أن نحقق معاً توازناً للنشر الإلكتروني والورقي ... الجديد عندنا هو اختيار أفضل عمل سنوي يصل إلينا كل عام من خلال لجنة تنعقد لذلك وتعتمد في اختيارها في الأساس على استقراء القبول الذي لاقاه العمل المختار لنشره بصفة سنوية في معرض الكتاب مع التزام الدار بتكليف نشره وعمل الدعاية اللازمة له كاملة و بصورة مرضية لصاحبه .
يبقى أن ننوه أننا لن نخضع لشروط النشر المعتاد وتعسف دور النشر التقليدية و يكفي فقط أن يمثل عملك تياراً أدبياً ناضجاً سواء أكان العمل في صورة رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية .


موقعنا ( http://rewaya.tk )


إيميلاتنا
rewaya12@hotmail.com
rewaya12@yahoo.com