الاثنين، 23 فبراير 2009

ما بعد حسن العامرى !

من لا يعرف حسن العامرى فهو _ بلا شك _ لم يقرأ جريدة أو كتابا طيلة حياته !

حسن العامرى المنتشر كمبيد حشرى فى كل جريدة و كل مجلة .. يتلقى كل يوم ألف اتصال من ألف رقم غريب على هاتفه المحمول يرجوه أن يكتب شيئا لصحيفة كذا الجديدة أو مجلة كذا الالكترونية .. لم يكن يتوقع أبدا كل هذا التهافت بعد أعوام طويلة قضاها كاتبا عاديا لا يلفت الانتباه ولا يثير الانبهار .. لم يكن يدر أن " الإناء المثقوب " روايته الأولى ستحقق له كل هذه الشهرة و الانتشار .. كانت رواية جيدة و لكنها ليست مبهرة و ليست طفرة فى عالم الأدب .. هو كان يعرف ذلك .. و لكن أرقام المبيعات كان لها رأي آخر .. لاقت الرواية صدى كبيرا فى أوساط القراء و وجدت إشادات متحفظة من أغلب النقاد .. تهافتت بعدها كبرى دور النشر لتظفر بنشر رواياته التالية .. و أصبح هو الوجه المكرر دائما فى البرامج التليفزيونية و الندوات الثقافية .. و بالطبع أصبح يشترى اللحم لأولاده دون أن يشعر بوخز الضمير !

الآن يحفظ الكثير من الشباب جمله و عناوين قصصه .. يرددون آرائه كمبادىء حياتية و قوانين مسلم بها .. ينتظرون بلهفة مقالاته اليومية و قصصه القصيرة .. يفرغون مقالاته من الصحف ليحتفظوا بالقصاصات فى أدراجهم الخاصة .. و يغضبون عندما يشترون المجلة ليجدوا أنها لم تنشر قصته و يستعوضون الله فى ثمنها !

حسن العامرى الذى يعتبر يوم الجمعة أكثر أيام الأسبوع ايحاءا .. يعلن كل جمعة حالة الطوارىء القصوى فى منزله .. يختلى فى مكتبه بقلمه و أوراقه و سجائره .. يدخن بشراهة و يحتسى القهوة بغل .. يهز قدميه بعصبية و يعض على قلمه بغضب .. يصرخ و يعوى و يمزق الكثير من الأوراق .. ثم يخرج فى نهاية اليوم و قد قطع شوطا فى روايته الجديدة و أنجز عددا لا بأس به من القصص القصيرة التى سيسيل لها لعاب رؤساء تحرير كبرى الصحف بالتأكيد ..

فى صباح تلك الجمعة استيقظ عازما على كتابة قصة طلبتها منه جريدة " خنقتونا " واسعة الشهرة .. دخل مكتبه و أعد أوراقه .. أشعل سيجارة و أمسك بالقلم و بدأ يفكر ..

ماذا سأكتب ؟ .. كيف ستكون القصة ؟ .. يجب أن تحمل أفكارا جديدة و مبتكرة حتى لا يمل منى القراء .. يجب أن أستعين بعناصر مثيرة و جذابة .. أعتقد أن الجنس مناسب جدا .. الجنس يحمل جاذبية كبيرة خاصة فى أوساط الشباب .. و لكن لالا .. يوسف إدريس و علاء الأسوانى فعلاها كثيرا .. يجب أن تحمل قصتى طابعا خاصا ..

هى السياسة إذن ! .. سأكتب قصة تحمل الكثير من الاسقاطات السياسية العبقرية .. بالتأكيد ستنال إعجاب القراء .. فى هذه الأيام أصبح كل من يهاجم النظام بطلا و يجب أن أستغل ذلك جيدا .. سأعبر عن السلطة بشكل رمزى و أسبها و ألعنها طيلة الوقت .. جميل .. جميل .. و لكنى أشعر أن الكثير من الكتاب سبقونى لذلك .. ابراهيم عيسي و عبد الحليم قنديل لم يتركا مجالا للرمزية !

ماذا عن الفانتازيا ؟! .. أعتقد أنها تناسبنى تماما .. ستدور القصة فى عوالم أخرى بتفاصيل جديدة و شخصيات أسطورية .. بالتأكيد ستبهر القراء كثيرا .. فانتازيا ؟! .. تبا ! .. أحمد خالد توفيق يصدر سلسلة كاملة تحت هذا العنوان .. بالتأكيد لم يترك لى أفكارا لأكتبها .. أين ذهبت روح الزمالة ؟! .. يجب أن يراعى كل كاتب زملائه أكثر من ذلك !

مرت ساعتان و لم يخط حرفا واحدا على الورقة .. بدأ يفقد أعصابه تدريجيا .. هب من مقعده و أخذ يتحرك فى الغرفة حركات عصبية .. يعتصر ذهنه .. يضرب المكتب بكلتا يديه .. ثم ينعى حظه الذى جعله يحيا فى سنة 2009 .. لماذا لم أولد مثلا سنة 3000 قبل الميلاد ؟! .. وقتها كانت الأفكار كثيرة كرجال الأعمال الفاسدين فى الحزب الوطنى و جريئة كالفتيات العاهرات .. تأتى بنفسها لتجلس بين يديك و تداعبك و تراودك عن نفسك .. لم يكن خلق بعد كل هؤلاء الكتاب و الأدباء ليسرقوا منك أفكارك قبل أن تولد .. الآن أصبحت الأفكار قليلة كنقود موظف و خجولة كعذراء ليلة زفافها .. لو بعث شكسبير و ادجار آلان بو و المتنبى من قبورهم الآن لما استطاعوا أن يكتبوا حرفا !

جلس مرة أخرى و بدأ يتذكر .. يتذكر كل كتاباته السابقة .. مقالات و قصص و روايات .. اندهش كثيرا عندما كون انطباع عام عن كل كتاباته فى تلك اللحظة .. اندهش للانطباع نفسه و اندهش لكونه لم يفكر فيه سوى الآن ! .. لقد اكتشف الآن فقط أنه لم يكن سوى مجرد معلق على الأحداث .. تماما كالمعلق الكروى .. يصف بالضبط ما يحدث من تطورات فى وطنه و مجتمعه طيلة السنوات السابقة تماما كما يصف ميمي الشربيني هدف أبو تريكة فى مرمى الزمالك .. دون أن يتسبب هو بأى شكل يذكر فى صنع أى حدث .. هو حسن العامرى .. الكاتب الكبير الذى يعتبره الشباب قدوة و إماما .. لم يفعل فى حياته سوى سماع الأخبار و التعليق عليها .. الأحداث التى تتطور كل يوم من سىء لأسوأ .. الوطن الذى عمه الخراب منذ زمن .. اكتفى حسن العامرى و أمثاله بمشاهدته من بعيد و وصف ما يحدث له بأسلوب أدبى منمق يخلب ألباب القراء !

استولت الفكرة على عقله .. أكنت هذا الرجل حقا كل هذه السنوات ؟! .. بفرض أننى كنت كذلك بالفعل .. إذن ماذا كنت أستطيع عمله غير ذلك ؟! .. كيف أصنع أحداثا فى مجتمع يسيطر عليه لصوص احترفوا السرقة و مص الدماء ؟! .. كيف أكون جزءا من تطور فى المجتمع و فوق عاتقى و عاتقنا جميعا سلطة لا تريد لهذا التطور أن يحدث ؟! .. حتى دورى كمجرد معلق لم يكن مرغوبا به لدى السلطة .. فماذا لو حاولت أن أصبح صانعا للحدث ؟! .. أعتقد أنه لم يكن بيدي أى شىء سوى ذلك ..

و لكن هل " ذلك " شىء يدعو للفخر فعلا ؟! .. سيذكر التاريخ أن شخصا بحجمى و شهرتى و تأثيري ولد و مات و الفساد لا يزال يجتاح البلاد .. ولد و مات و لا زالت مصر تشارك فى ذبح فلسطين يدا بيد مع اسرائيل .. ولد و مات ولا زال الشرفاء يسجنون و يعذبون .. ولد و مات و اللصوص يتقلدون أرقى المناصب .. ولد و مات و لا زال البسطاء يقتلون كقرابين لحكومة عابثة و رئيس ظالم .. ولد ليصف هدف أبو تريكة فى مرمى الزمالك .. ثم مات !

فكر فى أن الموقف الشريف الوحيد الذى يستطيع فعله ما دام لا يستطيع صنع أى حدث .. هو الصمت التام المطلق الأبدى ! .. فكر فى أنه أحقر من أن يعلق على أى حدث فى وطنه الموتور .. أحقر من أن يبحث عن جمل جذابة و تعابير أدبية متأنقة ليصف بها ما يحدث حوله .. أحقر من أن تنشر له قصص و روايات ليقرأها شباب تم تحطيم مستقبله قبل أن يولد .. أحقر من أن يساهم فى صنع وهم لشباب يفتقد معنى الهدف و الطموح و المستقبل .. حتى هؤلاء الجديرون بصنع الأوهام يملكون مميزات لا يملكها هو !

قذف بالقلم فى عصبية .. دفع الباب بثورة و خرج من مكتبه و قد اتخذ قرارا بعدم الكتابة بعد الآن .. اصطدم به ابنه الصغير أثناء ركضه فصفعه بقوة و غضب شديدين .. بكى الطفل كثيرا لشدة الصفعة و لعدم منطقيتها .. ركض العامرى بسرعة و دخل مكتبه ثانية و أغلق الباب .. بكى كما لم يبك طفله الصغير .. ثم أمسك بالقلم و كتب بخط مشوش غير مهندم : " سأكتب .. سأكتب فقط لأننى أحقر من أن أتخذ قرارا بعدم الكتابة ! "

............................................

نشر فى مجلة بص و طل الالكترونية ..http://www.boswtol.com/aldiwan/ndonia_242_077.html

هناك 18 تعليقًا:

غير معرف يقول...

ازبهلات بتاع ساعه كده عشان افهم المغزى مش معنى كده انها مش مفهومه لا القصد انها غريبه .
بختصار المميزات : الاسلوب الساخر وترابط الاحداث .
العيوب : التطويل فى مدح الكاتب وجعل شخصيه الكاتب ضعيفه جدا بالنسبه لكاتب بهذا القدر من الشهره .
ترتيب الاحداث كان جميل اوى يأسامه النهايه هى الكانت غريبه شويه بس كمجمل حلوه والله
ماجد مصطفى

غير معرف يقول...

اية يا باشمهاندس ده والله ما انا هعلق في مدونتك دي الا ما تبعت لي الصور الاول
اسامه كدة انا هزعل انا وغادة يا باشا

غير معرف يقول...

هههههههههههههه حلوة جريدة خنقتونا
اسم مختلف برده

قصة جميلة ومختلفة

اليومين دول بقى فى كتير حسن العامرى
بس الفكر المختلف والجميل هو اللى هيفضل
ربنا معاك ويوفقك

أبوعبيده يقول...

سلام عليكم
تصوير جيد لحاله أى واحد محترم. بيفكر فى حجمه بالنسبه لعمله
... حسن العامرى قرر أن بستمر وهذا ليس جديد. الكل يستمر
لكن الجديد انه سيستمر بشكل مختلف
وأعتقد أنه سيأتى بالجدبد

غير معرف يقول...

الأسلوب جامد جداً جداً
الفكرة مبتذله إلى حد ما
وعلى حسب كلامك فكل الموجود الآن من فئة حسن العامرى ابراهيم عيسى و عبدالحليم قنديل وبعض المدونين مثلك
والمفروض انهم يبطلواكتابة ولكن شكلهم أحقر من أنهم يتخذوا قرار ذى ده
أخوك اللى انت مش معبرة" مصطفى ناصف"

غير معرف يقول...

مصطفى ناصف
mostafa.nassef@yahoo.com
أرجو التواصل يا معلم

غير معرف يقول...

قصة مكتمله رائعه أدبيا ماشاء الله عليك يا هندسه ..
بتحكي فيها عن نفسك أحاسيسك الفترة الأخيرة تجاه الكتابه و تجاه المجتمع .. و انت عارف رأيي .. كل يعمل على شاكلته .. يعني حضرتك يا عم حسن كاتب مدام عندك هدف و أولويات و بتعمل اللي عليك يبقى انت كده بتخلق الأحداث حتى لو انت متخصص فقط في سرد الروايات .. فيه هدف + عمل بناء على أولويات متوجهه لتحقيق الهدف بأحسن
طريقة .. يبقى خلاص دلوقتي مش لازم أبدا ضميرك يوجعك انت كده فعلا عضو مؤثر و بناء و فعال لو عندنا 10% من الناس زيك هتلاقي الأحداث اتغيرت تماما .
رائع أسلوبك و سردك يا أسامة .. لكن اللي بيعمل اللي عليه فعلا ضميره مابيوجعوش .

محمـود حجـاب

غير معرف يقول...

ايه يا عم اسامه الموضوعات الجامده دى طبعا انت عارف انى مبعلقشى على اى موضوع لانى مبقراش كتير عشان كده الموضوع اللى اعلق عليه اكيد جامد جدا .......... بس بصراحه انت طولت اوى فى مدح الكاتب ده ........


محمد على (ابن خالتك)

غير معرف يقول...

هااااااااااااى على فكره الموضوع ده جميل اوى ولمواضيع التانيه كمان اصل انا اول مره ادخل المدونه هنا ويا ريت تبقى تبعتلى كل اما تكتب موضوع جديد mezo_meno_2009@yahoo.com

انا اسمى محمد فهيم وصاحب محمد ابن خالتك وهو اللى قالى على المدونه

غير معرف يقول...

والله يا اس انا هقولك على اللى حسيته من القصه جست الاحساس بالكبت اللى ملك الشباب من عدم تحقيق اهدفهم مع انى معرفش مين النجم ده اصلا حسن العامرى ومش مشهور اوى زى ماانت فاكر انت حسستنى انه عمل القانون الخامس فى الميكانيكا ولا حاجه اهو بيكلم زى الاف اللى بيكلموا فى اى حاجه اخوك az زيكا

غير معرف يقول...

فيه حاجه ياريت يا اس تحاول تقلل منها وانت بتكتب كثرة التشبيه لشعورك بان ده هيعطى جمال فى التعبير اكتر فى اساليب تانيه كتير لوصول المعنى منها الحقايق نفسها او تحاول تجذب القارئ بالاحاسيس اكتر من التشبيه وده ممكن يديك مجال اكبر فى الكتابه احسن متوصل التعبير مباشر للقارئ بيكون اقل جمال اخوك az زيكا

PrInCeSS BeRy يقول...

ازيك يا اسامة يارب تكون بخير جاية اطمن عليك يارب تكون فى احسن حال يا مبدع

أية الشقية الشعنونة يقول...

احقر من أن يتخذ قرار بعدم الكتابة

مرمطت الراجل

عندك حق كلنا معلقين

حتى أنا وانت

كلنا عملنا ايه يعنى

سلبييين كلنا

عادى

تحياتى

moon light يقول...

حباية رز واحدة ممكن تقلب الميزان


استمر


ياعبقرينو يا جااااااامد

غير معرف يقول...

تعددت واختلفت الاراء والجدال والشخص واحد

غير معرف يقول...

انا معاك فى شعورك اللى انت اسقطو على شخصيه بطل القصه بس ليا تعليق يمكن انا مش بنفذو كتير بس مقتنع بيه الكتابه سؤاء كانت كتابه مقال او قصه او روايه اى نوع من انواع الكتابه يعنى لازم تكون بتحمل فى داخلها فكره اى كانت هذا الفكره هدامه ام بنائه مش لان بطل القصه مسهمش فعليا فى تغيير واقع البلد كده يبقى هو مقصر بالعكس ممكن تيجى اليوم ويجى جيل يعيد قراءه افكار هذا الكاتب ويحيها وتقوم على اساسها اليه جاده لمواجه الفساد واصلاح البلد على ايد الجيل ده كل الحكايه الوقت ان الراجل ده ممكن ميشفش افكارو وهى بتطبق ادام عينه وده لان الفكره ديما عمرها اكبر بكيتر من عمرصاحبهاولان معظم اصحاب الافكار الناجحه مشفوش افكارهم على حياه عنهم وهى بتطبق فبيجى وقت على صاحب الفكره بيتهئ ليه ان الفكره مفيش جدوى منها علشان كده الكاتب من اهم صفاته انو لازم يبقى صبووووووووووووور . القصه جميله جدا والبطل الحقيقى بتاعها مش حسن عامر البطل الحقيقى هو اسامه ناصف لانو هو بيتكلم عن نفسو بس فى صوره واحد تانى
واحد مظلوم

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

من وجهة نظرى أنه أتخذ القرار الصائب

عليه أن يستمر و أن يعيش و يتعايش مع الظروف ..

يستمر و يكتب حتى لو كان مجرد معلق على الأحداث و ليست لديه القدرة على صنعها ..

يستمر و يكفى أنه لديه القدرة على التعليق .. أكيد هذا غير كافى ولا يرضى طموحه .. و لكن يكفى أنه على الاقل يعبر عن رأيه و يجد من يسمعه و يكاتفه و يقف ف صفه ..

يستمر و الأيام كفيلة أن تحمل معها المزيد من التجديد الذى ربما يرضى غروره و يمنحه الحياة الكريمة اللائقة التى يبغاها و يمناها..

يستمر لانه فعلا مؤثر و نشط و فعال

تسلم ايديك .. أسلوب جميل و فكرة رائعة كالعادة

تحياتى ... سلااااااااااام

غير معرف يقول...

قصة جميلة، مع بعدها عن المفهوم التقليدي للقصة القصيرة. تلقائية، وسلسة، وعميقة في نفس الوقت. منطق البناء جيد ومشوق ويسمح في نفس الوقت بالتعبير عن موقف دون أن يخلّ بفنية العمل.


كذلك اللغة سليمة. فقط، أتصور أن كلمة (أحقر) في الجملة الأخيرة قد تكون أقوى من أن تحتملها الشخصية. ربما تكون (أضعف) أكثر مناسبة.



د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة